هو مولد النبي صلى الله عليه وسلم الذي حرره الشيخ عبد القادر الحمصي الشاذلي (ت 1314هـ/ 1896م ) رحمه الله
الحمدُ لله الذي أظهرَ من باطنِ خفاءِ عماءِ ليلِ هويةِ الأحدية ، مطالعَ أنوارِ فجرِ حضرةِ الحقيقةِ المحمدية ، ثم سلخ منها جميع العالم ، فكانت للأشياء في مثابة آدم ، فرفع بها ووضع ، وفرق وجمع ، وقرب وأبعد، وأشقى وأسعد ، فهي كلمة الفصل ، التي لم تزل راجعة للأصل ، ونقطة الشكل التي بها سر الوصل ، ونون الكاف عند أهل الأعراف ، قديمة في العلم ، حادثة في الجسم ، معناها الوجود ، ومجلاها الحدود ، سارية في الأزمان ، كالشمس في الأكوان ، تعدل ما يكون وما كان ، مكة الأزل دارها ، ومدينة الأبد قرارها ، خلاصة العبارة ، التي نطقت بها الإشارة ، مباركة عربية ( لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ) عند أهل البصائر لا الأبصار مصانة عن سواه ، في حضرة من براه ، ولولا نور الرداء ، لظهر سر الخفاء ، فحماها الكمال ، من توضيح علم المآل ، فوضعته بالرمز ، لأنوار برزت من الكنز، ولما حكمت الرسالة ، واقترن الاسم بالجلالة ، وأشرق القمر ، على صورة البشر، ناداه القبول ، يا أيها الرسول ، فأقام الدليل ، وأوضح السبيل ، وأعلن كلمة التوحيد ، فبان الشقي من السعيد ، فأرسلت العين ، تفيض إلى الثقلين ، على لسان الأمين ، بحق اليقين ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمينَ ) .
الصلاة والسلام عليك
يا نقطة الباء يا مفتاح أنت ويا خير الأنام و يا من لا شبيه له
من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت إلا لأجلك والمولى اصطفاك له
* الباب الثاني *
فسبحان من خص المختار صلى الله عليه وآله وسلم ، بهذا المقدار وأطلع آل تلك الدار،على هذه الأسرار، فهو صلي الله عليه وآله وسلم الكلمة التامة والرحمة العامة ، المحيطة بكل صامت وناطق ، المحمولة على سفينة ضمنها جميع الخلائق ، ليس بشريك ولا ند ، بل رسول عبد ، في حضرة قاب قوسين ، أصل غينه عين ، وهو الجامع بين الاثنين ، شمس ذاته لا تكسف ، وقمر صفاته لا يخسف ، المسلمون تحت لوائه المعقود ، والمؤمنون على حوضه المورود ، والمحسنون من مقامه المحمود ، وسيلة الوسائل الخلقية ، وفضيلة المقاصد الحقية ، والدرجة الرفيعة الدنيوية والأخروية ، مأوى العارفين في قرار التبيان ، ودار سلام السائرين إلى نعيم العرفان ، وخلود المحققين في عدن الصفا ، وفردوس المشاهدين في حضرة قدس الاصطفا ، كوثر الشاربين صدقاً ، و تسنيم المقربين حقاً ، وسلسبيل الذائقين معرفة وعشقاً ، بحر كونه لا إله إلا الله ، و ( عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ ) كافور أرواح المحققين ، وزنجبيل أشباح المصدقين ، شجرة طوبى الأحمال ، و سدرة منتهى الآمال ، ونضرة سرور الحال والمآل ، ومذ تعلق الشأن ببدائع الإمكان ، افْتُتِحَ كتاب الوجود بنوره المحمود ، فكان أول من تعين في أصل ما تبين ، فأعلن بلبيك ، منك وإليك ، فحُفَّت العناية ، بنزول الآية ، مع رَوْح السماء لجلاء العماء ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى )
الصلاة والسلام عليك.
يا نقطة الباء يا مفتاح أنت ويا خير الأنام يا من لا شبيه له
من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت إلا لأجلك والمولى اصطفاك له
* الباب الثالث *
فهو صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله دليل ، وللرحمن خليل ، وبالرحيم عالم وللملك خاتم ، حاكم بالقدوس سلام للنفوس ، مرآة المؤمن نور المهيمن أعزه العزيز بعزته ، وقلده الجبار بسطوته ، وألبسه رداء العظمة المتكبر لأنه خيرة الخالق ، ونعمة الباري ، وصفوة المصور، غفر له الغفار ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقهر به القهار كل من أدبر واستكبر، وهبه الوهاب الشفاعة ، ورزقه الرزاق القناعة ، وفتح له الفتاح باب العطاء ، فعلم بالعليم علم جميع الأشياء ، فهو صلي الله عليه وآله وسلم بالقابض ترقيه ، و بالباسط تدليه ، خفض له الخافض كل المقامات الرفيعة ، ورفعه الرافع على المسلمين جميعا ، بلغً بالمعز منار العلا ، وسار بالمذل إلى لا حول ولا ، فهو صلي الله عليه وآله وسلم بالسميع البصير يسمع ويبصر، وبالحكم العدل يحذر وينذر، حفه اللطيف بالإحسان ، وأطلعه الخبير على ما في الأكوان، حياه الحليم بالخلق العظيم ، فبشر بالغفور البرية ، وقام بالشكور في وظائف العبودية ، فرفع العلى مكانه ، وعظم الكبير شأنه ، وحفظه الحفيظ بحفظ ( إذ نامت عيناي فلا ينام قلبي ) وأقاته المقيت بقوت ( أبيت عند ربى ) ، احتسب بالحسيب عن الأغيار، وخلع عليه الجليل خِلعة الوقار، وأكرمه الكريم بدوام المشاهدة وأدناه ، وعصمه الرقيب من الأعداء وحماه ، والمجيب أجاب دعاءه ونداه ، فعرف بالواسع حقائق الفروع والأصول ، وكلم الناس بالحكيم على قدر العقول ، ألف بالودود بين العالم ، وأشار بالمجيد ( أنا سيد ولد آدم ) ، أرسله الباعث رحمة للعالمين ، وأشهده الشهيد على جميع المرسلين ، فدعا إلى الله بالحق على بصيرة ، وكان بالوكيل على أحسن سيرة وأطيب سريرة .
الصلاة والسلام عليك.
يا نقطــة البـاء يا مفتـاح أنت ويـا خير الأنام يا من لا شبيه له
من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت إلا لأجلك والمولى اصطفاك له
* الباب الرابع *
استعد بالقوى لمشاهدة المتين ، وجلاه الولي فأصبح للحميد من الشاكرين نبهه المحصي لشئون المبدئ المعيد ، فاستيقظ بالمحيى المميت لمرتبة الخلق الجديد ، أحياه الحي بالحياة الأبدية ، وقام بالقيوم لإرشاد البرية ، ودام بالواجد يثني على الماجد ، حتى شهد الواحد في وجوده بلا أين ولا كيف ، والأحد في سجوده بلا حد ولا وصف ، فهو صلي الله عليه وآله وسلم فرد الوجود، ونور الصمد الذي لم يزل عند العارفين مشهود ، مطاف قلوب العارفين بربهم ، وفيفاء تلك القبضة الأزلية ، أيَّده القادر بقدرته فأقام الدين ، والمقتدر بسطوته فانتصر على الكافرين ، قدَّمه المقدم على جميع البشر، وأخَّر المؤخر أعداءه فولوا إلى سقر، فهو صلي الله عليه وآله وسلم بالأول أول ، وبالآخر عليه المعول ، قدَّس بالظاهر الظواهر ، وبالباطن السرائر خاطبه الوالي ( فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) وقال بشهود المتعالي لصاحبه ( لاََ تحزن إن الله معَنا ) أبره البر بالوسيلة ، وفتح به التواب باب التوبة فهي لأمته نعمة جزيلة ، أنعم عليه المنعم بالقرآن ، فهدم بالمنتقم صور الطغيان ، سماه العفو بالرءوف لرحمة قلبه ، وأشهده مالك الملك ذو الجلال والإكرام مفاتيح غيبه فبين بالمقسط الأحكام ، ورفع بالجامع الأوهام ، أغناه الغني بمشاهدته عن السوى ، وزكاه المغني بقوله : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ) أعطاه المعطى مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر، ومنعه المانع من إفشاء سر القدر، أمنه الضار بآية ? لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ? ونفعه النافع بأن رفع عن أمته تجليات مسخه وخسفه ، فهو صلي الله عليه وآله وسلم نور النور القديم ، والهادي إلى الصراط المستقيم
معراج أرواح الرجال لربها بلغت به في سيرها الأوطارا
بالبديع بديع الذات والصفات ، و بالباقي الممد لجميع المخلوقات ، أورثنا الوارث به الكتاب المبين ، فأرشدنا بالرشيد إلى مراتب اليقين ، اللهم إنا نسألك بصبره يا صبور ، أن تجعلنا من أهل الحضور، وأن توصلنا بأسمائك الحسنى إلى دولته العظمى ، وأن تجمعنا به في الدنيا والآخرة مع مشاهدتك لحضرته الكبرى .
الصلاة والسلام عليك.
يا نقطة الباء يا مفتاح أنت ويا خير الأنام يا من لا شبيه له
من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت إلا لأجلك والمولى اصطفاك له
* الباب الخامس *
هذا وإن نسب المختار صلي الله عليه وآله وسلم رفيع ، وجاهه عريض منيع ، فهو صلي الله عليه وآله وسلم محمد بن عبد الله الذبيح ، ابن عبد المطلب بن هاشم الرجيح ، ابن عبد مناف بن قصي بن حكيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ابن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس صاحب النهى والأمر ابن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان نسب صاحب الشريعة والتبيان ، ومذ تعلقت الإرادة القديمة القدسية ، ببروز جوهرة كنز الحضرة الخفائية ، لطلوع فجر الأسماء والصفات ، وإشراق صبح طلعة الذات ، انسلخ من ليل الأزل نهار الأبد ، وأشرقت شمس التكوين في الوجود ، فوُحِّد الواحدُ الأحد ، وظهرت شئون الألوهية ، ونفذت أحكام الربوبية ، وأسفر جلال العزة عن جمال العظمة ، واستوى الرحمن على عرش الأسماء والصفات ، فأسبغ على مظاهر نعمه ، وسرى سر القيومية في الأكوان ، فأتم نظامها بتكوين الإنسان ، فكان آدم عليه السلام المشهود ، وسيدنا محمد صلي الله عليه وآله وسلم المقصود ، والله سبحانه وتعالى هو المعبود وعند وجود التكاثر ، وقع التحابب والتنافر، فجاء التنبيه ، لأهل التنزيه والتشبيه من الكاف والنون ، عن سر الغيب المكنون ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) .
الصلاة والسلام عليك.
يا نقطة الباء يا مفتاح أنت ويا خير الأنام يا من لا شبيه له
من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت إلا لأجلك والمولى اصطفاك له
* الباب السادس *
ثم لما صدرت بالظهور والإرادة ، ولبس الكون حلة السعادة ، والتقطت صدفة آمنة الدهر جوهرة النهى والأمر، تكلل وجه الزمان بالفرح ، واتسع صدر الأوان وأنشرح ، بقدوم يوم الدين ، وقامت قيامة المشركين ، فذبح يحيى العلوم الذوقية كبش الجهل ، ونسخت براهين المشاهد الحقية شريعة العقل ، ووقع التسليم في جميع الأقاليم ، وانفتحت أبواب جنات الشهود وسرت عين الحياة في الوجود ، ونطقت دواب نفوس تلك العالم ، وقالت أثمرت والله شجرة آدم ، واستأنست وحوش إيحاش بر الإنسان ، واطمأنت حيتان بحور القلب والجنان ، وبشر بعضها بعضاً في الحال ، وبتحويل المشهد للكمال ، وأصبح كل ملك من ملوك النفس الأمارة أخرسا ، وسريره منكسا ، و نادى ملك الإلهام في عالم الملك والملكوت ، أن الوجود تقدس ، وأن الصبح تنفس ، وأن السلك للسالك ، والملك للمالك ، فقد أشرقت شمس الكمال ، فلا أفول ولا زوال ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ) فقد آن ظهور سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فمن له حاجة فليسأل الله.
الصلاة والسلام عليك.
يا نقطة الباء يا مفتاح أنت ويا خير الأنام يا من لا شبيه له
من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت إلا لأجلك والمولى اصطفاك له
* الباب السابع *
وأرسل الله رياح الطلق بشرى بين يدي رحمته ، ولمعت بوارق شريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وطلعته ، وسمعت آمنة القلب ما أزعجها ، فجاء طائر الأمن فأبهجها ، ثم التفتت إلى جهة اليمين ، وإذا هي بقدح من حق اليقين ، ملئت من لبن المعارف ، فشربته وزالت عنها الرواجف ، وجاءت مريم الحقية وآسية النفس المرضية ، والحور العين الإلهامات الروحية ، ومد ديباج العقل الأبيض بين الأرض والسماء ، فتميزت به جميع الأشياء ، ووقفت بالهواء موارد المعارف ، بأباريق العوارف ، من فضة نقاء المواهب اللدنية ، مملوءة من عطر معاني الحقائق الذوقية ، لتطيب الوجود واستقبال ذلك المولود ، وجاءت رسل البشائر على صفة الطيور ، مناقيرها زمرد السرور، وأجنحتها ياقوت الزهور، وكشف الله عن بصر آمنة الوهم ، فرأت ما يحير الفهم ، ثم رأت من اسم العلام ، ثلاثة من الأعلام ، علماً في بالمشرق أزهر، وعلماً بالمغرب أنور، وعلماً على البيت العتيق المطهر، إشارة بأن نبوته صلي الله عليه وآله وسلم شرقية وولايته غربية ، ورسالته عامة لجميع البرية ، والثلاثة مجموعات في ذلك المظهر ، والله أعز وأكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، فعند ذلك سطعت الأنوار ، وأشرقت الأقطار، ورفعت الأستار ، وولد النبي المختار ، صاحب الهيبة والجلالة والوقار .
الصلاة والسلام عليك.
يا نقطة الباء يا مفتاح أنت ويا خير الأنام يا من لا شبيه له
من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت إلا لأجلك والمولى اصطفاك له
مرحبًا، هذا تعليق.
للبدء بالإشراف، التحرير، وحذف التعليقات، من فضلك قم بزيارة شاشة التعليقات في لوحة التحكم.
صورة المُعلق تأتي من Gravatar.